فصل: تفسير الآيات (58- 70):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: في ظلال القرآن (نسخة منقحة)



ولكنهم لا يكفون أبداً عن تشويه الإسلام وأهله.. لأن حقدهم على الإسلام، وعلى كل شبح من بعيد لأي بعث إسلامي، أضخم من أن يداروه.
ولو للخداع والتمويه!
إنها جبلة واحدة، وخطة واحدة، وغاية واحدة.. هي التي من أجلها يجبههم الله باللعنة والطرد، وفقدان النصير. والذي يفقد نصرة الله فما له من ناصر وما له من معين ولو كان أهل الأرض كلهم له ناصر وكلهم له معين:
{أؤلئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيراً}..
ولقد يهولنا اليوم أن نجد دول الغرب كلها نصيراً لليهود. فنسأل: وأين وعد الله بأنه لعنهم، وأن من يلعن الله فلن تجد له نصيراً؟
ولكن الناصر الحقيقي ليس هو الناس. ليس هو الدول. ولو كانت تملك القنابل الأيدروجينية والصواريخ. إنما الناصر الحق هو الله. القاهر فوق عباده: ومن هؤلاء العباد من يملكون القنابل الأيدروجينية والصواريخ!
والله ناصر من ينصره.. {ولينصرن الله من ينصره} والله معين من يؤمن به حق الإيمان، ويتبع منهجه حق الاتباع؛ ويتحاكم إلى منهجه في رضى وفي تسليم..
ولقد كان الله- سبحانه- يخاطب بهذا الكلام أمة مؤمنة به، متبعة لمنهجه، محتكمة إلى شريعته. وكان يهوّن من شأن عدوها- اليهود- وناصريهم. وكان يعد المسلمين النصر عليهم لأنهم- اليهود- لا نصير لهم. وقد حقق الله لهم وعده. وعده الذي لا يناله إلا المؤمنون حقاً. والذي لا يتحقق إلا على أيدي العصبة المؤمنة حين تقوم.
فلا يهولننا ما نلقاه من نصرة الملحدين والمشركين والصليبيين لليهود. فهم في كل زمان ينصرونهم على الإسلام والمسلمين.. فليست هذه هي النصرة.. ولكن كذلك لا يخدعننا هذا. فإنما يتحقق هذا الأمر للمسلمين! ويوم يكونون مسلمين!
وليحاول المسلمون أن يجربوا- مرة واحدة- أن يكونوا مسلمين. ثم يروا بأعينهم إن كان يبقى لليهود نصير. أو أن ينفعهم هذا النصير!
وبعد التعجيب من أمرهم وموقفهم وقولهم؛ وإعلان اللعنة عليهم والخذلان.. يأخذ في استنكار موقفهم من الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين؛ وغيظهم من أن يمن الله عليهم هذه المنة.. منة الدين والنصر والتمكين. وحسدهم لهم على ما أعطاعهم الله من فضله. وهم لم يعطوهم من عندهم شيئاً! ويكشف في الوقت ذاته عن كزازة طبيعتهم؛ واستكثار أي عطاء يناله غيرهم؛ مع أن الله قد أفاض عليهم وعلى آبائهم، فلم يعلمهم هذا الفيض السماحة؛ ولم يمنعهم من الحسد والكنود:
{أم لهم نصيب من الملك فإذاً لا يؤتون الناس نقيراً أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيماً}..
يا عجباً! إنهم لا يطيقون أن ينعم الله على عبد من عباده بشيء من عنده.. فهل هم شركاؤه- سبحانه!- هل لهم نصيب في ملكه، الذي يمنح منه ويفيض؟ ولو كان لهم نصيب لضنوا- بكزازتهم وشحهم- أن يعطوا الناس نقيراً.
والنقير النقرة تكون في ظهر النواة- وهذه لا تسمح كزازة يهود وأثرتها البغيضة أن تعطيها للناس، لو كان لها في الملك نصيب! والحمد لله أن ليس لها في الملك نصيب.. وإلا لهلك الناس جميعاً وهم لا يعطون حتى النقير!!!
أم لعله الحسد.. حسد رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين، على ما آتاهم الله من فضله.. من هذا الدين الذي أنشأهم نشأة أخرى ووهب لهم ميلاداً جديداً، وجعل لهم وجوداً إنسانيا متميزاً؛ ووهبهم النور والثقة والطمأنينة واليقين؛ كما وهبهم النظافة والطهر، مع العز والتمكين؟
وإنه فعلاً للحسد من يهود. مع تفويت أطماعها في السيادة الأدبية والاقتصادية على العرب الجاهلين المتفرقين المتخاصمين.. يوم أن لم يكن لهم دين..
ولكن لماذا يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله من النبوة والتمكين في الأرض؟ وهم غارقون في فضل الله من عهد إبراهيم.. الذي آتاه الله وآله الكتاب والحكمة- وهي النبوة- وآتاهم الملك كذلك والسيادة. وهم لم يرعوا الفضل ولم يحتفظوا بالنعمة، ولم يصونوا العهد القديم، بل كان منهم فريق من غير المؤمنين. ومن يؤت هذا الفضل كله لا يليق أن يكون منهم جاحدون كافرون!
{فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيماً فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه}.
إنه لمن أَلأم الحسد: أن يحسد ذو النعمة الموهوب! لقد يحسد المحروم ويكون الحسد منه رذيلة! أما أن يحسد الواجد المغمور بالنعمة، فهذا هو الشر الأصيل العميق! شر يهود! المتميز الفريد!
ومن ثم يكون التهديد بالسعير، هو الجزاء المقابل لهذا الشر النكير:
{وكفى بجهنم سعيراً}..
وعندما يبلغ السياق هذا المقطع من ذكر الإيمان والصدود عن الإيمان في آل إبراهيم، يعقب بالقاعدة الشاملة للجزاء. جزاء المكذبين، وجزاء المؤمنين.. هؤلاء وهؤلاء أجمعين.. في كل دين وفي كل حين؛ ويعرض هذا الجزاء في صورة مشهد من مشاهد القيامة العنيفة الرعيبة: {إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم ناراً كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزاً حكيماً والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلاً ظليلاً}..
... {كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب}...
إنه مشهد لا يكاد ينتهي. مشهد شاخص متكرر. يشخص له الخيال، ولا ينصرف عنه! إنه الهول. وللهول جاذبية آسرة قاهرة! والسياق يرسم ذلك المشهد ويكرره بلفظ واحد.. كلما.. ويرسمه كذلك عنيفاً مفزعاً بشطر جملة.. {كلما نضجت جلودهم}.. ويرسمه عجيباً خارقاً للمألوف بتكملة الجملة.. {بدلناهم جلوداً غيرها}.. ويجمل الهول الرهيب المفزع العنيف كله في جملة شرطية واحدة لا تزيد!
ذلك جزاء الكفر- وقد تهيأت أسباب الإيمان- وهو مقصود.
وهو جزاء وفاق:
{ليذوقوا العذاب}..
ذلك، أن الله قادر على الجزاء. حكيم في توقيعه:
{إن الله كان عزيزاً حكيماً}..
وفي مقابل هذا السعير المتأجج. وفي مقابل الجلود الناضجة المشوية المعذبة.. كلما نضجت بدلت. ليعود الاحتراق من جديد. ويعود الألم من جديد. في مقابل هذا المشهد المكروب الملهوف.. نجد {الذين آمنوا وعملوا الصالحات} في جنات ندية:
{تجري من تحتها الأنهار}:
ونجد في المشهد ثباتاً وخلوداً مطمئناً أكيداً:
{خالدين فيها أبداً}
ونجد في الجنات والخلد الدائم أزواجاً مطهرة:
{لهم فيها أزواج مطهرة}..
ونجد روح الظلال الندية؛ يرف على مشهد النعيم:
{وندخلهم ظلاً ظليلاً}..
تقابل كامل في الجزاء. وفي المشاهد. وفي الصور. وفي الإيقاع.. على طريقة القرآن في (مشاهد القيامة) ذات الإيحاء القوي النافذ العميق.

.تفسير الآيات (58- 70):

{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (62) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا (63) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (64) فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65) وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذًا لَآَتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (68) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا (70)}
هذا الدرس يتناول موضوعاً خطيراً.. الموضوع الأساسي في حياة الأمة المسلمة. إنه يتناول بيان شرط الإيمان وحدّه؛ متمثلاً في النظام الأساسي لهذه الأمة.. ومن الموضوع في ذاته، ومن طريقة ارتباطه وامتزاجه بالنظام الأساسي للأمة، يستمد خطورته وخطره..
إن القرآن وهو- ينشئ هذه الأمة وينشئها- وهو يخرجها إلى الوجود إخراجاً. كما قال الله تعالى في التعبير القرآني الدقيق: {كنتم خير أمة أخرجت للناس} إن القرآن وهو ينشئ هذه الأمة من حيث لم تكن؛ وينشئها لتصبح أمة فريدة في تاريخ البشر: {خير أمة أخرجت للناس}. ويجب أن نؤكد هذه الحقيقة ونوضحها قبل المضي في الحديث: حقيقة إنشاء القرآن لهذه الأمة وتنشئتها معاً.. فقد كانت- على التحقيق- إنشاء وتنشئة، كانت ميلاداً جديداً للأمة؛ بل ميلاداًَ جديداً للإنسان في صورة جديدة! ولم تكن مرحلة في طريق النشأة؛ ولا خطوة في سبيل التطور، ولا حتى وثبة من وثبات النهضة! إنما كانت- على وجه التحديد- نشأة! وميلاداً للأمة العربية وللإنسان كله!
وحين ننظر إلى الشعر الجاهلي- والنتف الأخرى من المأثورات الجاهلية- وهو ديوان العرب، الذي تضمن أعلى وأخلد ما كان للعرب من نظرة للحياة والوجود والكون والإنسان والخلق والسلوك؛ كما تضمن معالم حياتهم، ومكنون مشاعرهم، ومجموع تصوراتهم؛ ولباب ثقافتهم وحضارتهم؛ وكينونتهم كلها بالاختصار..
حين ننظر إلى مجموعة الثقافات والتصورات والقيم التي يتضمنها هذا الديوان؛ في ظل القرآن؛ وما تضمنه من نظرة للوجود والحياة، وللكون والإنسان؛ ومن قيم في الحياة الإنسانية؛ ومن نظام للمجتمع؛ ومن تصور لغاية الوجود الإنساني. ومن تنظيم واقعي يقوم على أساس هذا التصور..
ثم ننظر إلى واقع العرب قبل الإسلام وبعده.. في ظل تلك التصورات الجاهلية التي تتمثل في ديوانها. ثم في ظل هذه التصورات القرآنية التي تمثل المنهج الرباني..
حين ننظر إلى الديوان المأثور والحياة الواقعية.. في ظل القرآن وواقع الحياة الإسلامية: يتبين لنا على وجه التأكيد والتحديد.. أنها كانت نشأة ولم تكن خطوة ولا مرحلة ولا وثبة! كانت إخراجاً من صنع الله؛ كتعبير القرآن الدقيق.. وكانت أعجب نشأة؛ وأغرب إخراج.. فيهي المرة الأولى والأخيرة- فيما نعلم- التي تنبثق فيها أمة من بين دفتي كتاب! وتخرج فيها حياة من خلال الكلمات!
ولكن لا عجب.. فهذه الكلمات.. كلمات الله..
ومن أراد المجادلة والمماحلة، فليقل لنا أين كانت هذه الأمة قبل أن يخرجها الله بكلماته؛ وقيل أن ينشئها الله بقرآنه؟
إننا نعرف أنها كانت في الجزيرة العربية! ولكن أين كانت في الوجود الإنساني؟ أين كانت في سجل الحضارة البشرية؟ أين كانت في التاريخ العالمي؟ أين كانت تجلس على المائدة العالمية الإنسانية؟ وماذا كانت تقدم على هذه المائدة، فيعرف باسمها ويحمل طابعها؟
لقد نشأت هذه الأمة نشأتها بهذا الدين؛ ونُشئت تنشئتها بهذا المنهج القويم؛ وقادت نفسها وقادت البشرية بعد ذلك بكتاب الله الذي في يدها، وبمنهجه الذي طبع حياتها.
لا بشيء آخر.. وأمامنا التاريخ! وقد صدقها الله وعده وهو يقول للعرب: {لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم أفلا تعقلون} فبسبب من هذا الكتاب ذكرت هذه الأمة في الأرض؛ وكان لها دورها في التاريخ؛ وكان لها وجود إنساني ابتداء، وحضارة عالمية ثانياً.. ذلك بينما يريد جماعة من الحمقى أن يرفضوا نعمة الله هذه على الأمة العربية؛ ويجحدوا فضل الله في أن جعل كلمته الأخيرة لأهل الأرض قاطبة في العرب وبلسانهم.. ومن ثم جعل لهم وجوداً وذكراً وتاريخاً وحضارة- يريدون أن يخلعوا هذا الرداء الذي ألبسهم الله إياه؛ وأن يمزقوا هذه الراية التي قادتهم إلى الذكر والمجد.. بل إلى الوجود يوم أخرج الله منهم الأمة المسلمة!
نقول.. إن القرآن حين كان ينشئ هذه الأمة وينشئها.. ويخطط ويثبت ملامح الإسلام الجديدة، في الجماعة المسلمة- التي التقطها من سفح الجاهلية- ويطمس ويمحو ملامح الجاهلية في حياتها ونفوسها ورواسبها.. وينظم مجتمعها- أو يقيمه ابتداء- على أساس الميلاد الجديد..
وحين كان يخوض بالجماعة المسلمة المعركة؛ في مواجهة الجاهلية الراسبة في نفوسها وأوضاعها من مخلفات البيئة التي التقطها المنهج الرباني منها؛ وفي مواجهة الجاهلية الرابضة فيها ومن حولها- ممثلة في يهود المدينة ومنافقيها ومشركي مكة وما حولها- والمعركتان موصولتان في الزمان والمكان!
حين كان القرآن يصنع ذلك كله.. كان يبدأ فيقيم للجماعة المسلمة تصورها الصحيح، ببيان شرط الإيمان وحدّ الإسلام؛ ويربط بهذا التصور- في هذه النقطة بالذات- نظامها الأساسي، الذي يميز وجودها من وجود الجاهلية حولها؛ ويفردها بخصائص الأمة التي أخرجت للناس، لتبين للناس، وتقودهم إلى الله.. نظامها الرباني..
وهذا الدرس يتولى بيان هذا النظام الأساسي، قائماً ومنبثقاً من التصور الإسلامي لشرط الإيمان وحدّ الإسلام!
إنه يتولى تحديد الجهة التي تتلقى منها الأمة المسلمة منهج حياتها؛ والطريقة التي تتلقى بها؛ والمنهج الذي تفهم به ما تتلقى، وترد إليه ما يجدّ من مشكلات وأقضية لم يرد فيها نص وتختلف الأفهام فيها؛ والسلطة التي تطيعها وعلة طاعتها ومصدر سلطانها.. ويقول: إن هذا هو شرط الإيمان وحدّه الإسلام..